فصل: الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم إلى حين انقراض أمرهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الخبر عن دولة الأسباط العشرة وملوكهم إلى حين انقراض أمرهم

واليا لسليمان على جميع نواحي يورشليم وهي بيت المقدس وقيل إنما كان واليا على عمل بني يوسف بنابلس وما إليها وكان جبارا وأن سليمان عوتب على ولايته من الله وانتقض ولحق بمصر‏.‏ فلما قبض سليمان وولي ابنه رحبعم واختلف عليه بنو إسرائيل بما بلوا من سوء ملكته‏.‏ والزيادة في الضرائب عليهم واجتمع الأسباط العشرة ما عدا يهوذا وبنيامين فاستقدموا يربعام بن نباط من مصر فبايعوا له وولوه الملك عليهم وحاربوا رحبعم ومن في طاعته وهم سبط يهوذا وبنيامين فامتنعوا عليهم بمدينة يروشليم ثم انحازوا إلى جهة فلسطين في عمل بني يوسف‏.‏ ونزل يربعم مدينة نابلس بملك الأسباط العشرة ومنعهم من الدخول الى بيت المقدس والقربان فيه وكان عاصيا مسخوط السيرة‏.‏ ولم يزل بينه وبين رحبعم بن سليمان وابنه أبيا من بعده واثنين من ملك أشا بن أبيا وكان أبياً ظاهراً إليه في حروبه‏.‏ ثم هلك يربعام بن نباط لسنتين من ملك أبيا ولثلاث وعشرين من ملكه فولي مكانه على الأسباط يوناداب وكان على مثل سيرة أبيه من الجور وعبدة الأصنام فسلط الله عليه بعشا بن أحيا فقتله وجميع أهل بيته لسنتين من ملكه وقام بملك الأسباط فلم يزل يحارب أسا بن أبيا وأهل القدس سائر أيامه‏.‏ وكان أسا يستمد عليه بملك دمشق من الأرمن‏.‏ وسار معه إليه مرة وكان أعشا بن أحيا نبي يثرب فأجفل أمامهم وترك الآلات فأخذها أسا وبنى بها الحصون‏.‏ وهلك أعشا بن أحيا لأربع وعشرين سنة من ملكه ودفن في برصا مدينة ملكهم بعد أن أنذره بالهلاك نبيهم فاهو‏.‏ ولما هلك ولي بعده ابنه إيليا ويقال إيلهوا في السادسة والعشرين من ملك أسا فأقام سنين ثم بعث عساكر بني إسرائيل إلى محاصرة بعض المدن بفلسطين فوثب عليه سبط من الأسباط من عقب كان يعرف زمري صاحب المراكب ويقال ابن إليافا فقتله وجميع أهل بيته وقام بالملك‏.‏ ومكث أياما يسيرة خلال ما بلغ الخبر لبني إسرائيل بمكانهم من حصار فلسطين فلم يرضوه وملكوا عليهم صي بن كسات من سبطه ورجعوا إلى زمري المتوثب على الملك فحاصروه فلما أحيط به دخل مجلس الملك وأوقد نارا لتحرقه فاحترق فيه لسبعة أيام من فورتهم‏.‏ وكان عمري بن ناداب من سبط أفرايم ويلقب صاحب الحربة يرادف صي في الملك فقتله واستبد‏.‏ وذلك في الحادية والثلاثين من ملك أسا‏.‏ ثم اختلف عليه بنو إسرائيل ونصب بعضهم بنيامين فنال من سبط يساخر وحاربهم عمري فغلبهم‏.‏ وكان ينزل مدينة برصا ولست سنين من ملكه اختط مدينة السامرية ابتاع لها جبل شمران من رجل اسمه سامر بقنطار قضة وبنى فيه قصوره وسميت سبسطية‏.‏ ثم غلبت عليها النسبة إلى البائع‏.‏ ويقال أن الاسم كان شومرون ثم هلك عمري لاثنتي عشرة سنة من ولايته ودفن في نابلس وقام بملك الأسباط من بعده ابنه أحاب وكان على مذهبه ومذهب سلفه منهم من الكفر والعصيان وتزوج بنت ملك صيدا وبنى هيكلا بسامرة وجعل فيه صنماً يسجد له وأفحش في قتل الأنبياء وبنى قرية أريحاء ودعا عليه إيليا النبي فقحطوا ثلاث سنين خرج فيها إيليا إلى البرية فسكنها‏.‏ ثم رجع فدعا وأنزل الله المطر وذبح الذين حملوا أحاب على عبادة الأصنام هكذا قال ابن العميد‏.‏ والذي قاله الطبري‏:‏ أن هذا النبي الذي دعا عليهم هو إلياس بن سين وقيل ابن ياسين من نسل فنحاص بن ألعازار‏.‏ وكان بعث إلى أهل بعلبك وإلى أحاب وقومه‏.‏ وقال الطبري‏:‏ فكذبوه فأصابهم القحط ثلاثاً ففزعوا إليه في الدعاء وباهلهم في أصنامهم فلم تغن شيء فدعا لهم فمطروا‏.‏ ثم أنهم أقاموا على ما كانوا عليه من الكفر والعصيان‏.‏ وكان أحاب شديدا عليه ودعا عليه إلياس ثم طلب من الله أن يتوفاه بعد أن أنذر الناس بهلاكه وهلاك قومه بل عقبه‏.‏ وتنبا بعده اليسع بن أخطوب من سبط أفرايم وقيل ابن عم الياس‏.‏ قال ابن عساكر‏:‏ اسمه أسباط بن عدي بن شوليم بن أفرائيم‏.‏ قال الطبري‏:‏ كان مستخفاً مع الياس بجبل قاسيون من ملك بعلبك‏.‏ ثم خلفه في قريته انتهى كلام الطبري‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ في أيام أحاب أوحى الله إلى إيليا أن يبارك على إلياس بن بغسا ففعل ذلك وأن يبارك على أدوم بدمشق وعلى ياهو ملكاً على بني إسرائيل ففعل ذلك وهو أيضاً على عهد أحاب‏.‏ فجاء سنداب ملك سورية فحاصر أحاب بن عمري والأسباط العشرة في السامرة وخرجوا إليه فهزموه واستلحموا عامة عسكره‏.‏ ثم رجع إليهم من العام القابل فخرجوا إليه وهزموه ثانياً وقتلوا من عسكره نحواً من مائة ألف ومروا في أتباعهم وامتنع سنذاب في بعض حصونه وأحاطوا به فخرج إليهم ملقياً بنفسه على ملكهم أحاب فعفا عنه ورده إلى ملكه وسخط ذلك النبي من فعله وأنذره بعذاب يصيب ولده عقوبة من الله تعالى على إبقائه عليهم‏.‏ ثم خرج أحاب من ملك الأسباط مع يهوشافاط ملك يهوذا المقدس لمحاربة ملك سورية فأصابه سهم هلك فيه ودفن بسامرة لاثنتين وعشرين سنة من ملكه‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وقيل لثمان عشرة وقال إنما خرج لحرب كلعاد ملك أدوم فانهزم وقتل‏.‏ ولما هلك ملك من بعده ابنه أحزيا ويقال أمشيا وكان عاصياً سيء السيرة قتل عاموص النبي وعبد بعلا الصنم وهلك لسنتين فملك أخوه يوآم‏.‏ وقيل إه لتسع عشرة من ملك يهوشافاط ملك الفرس فملك يوآم على الأسباط اثنتي عشرة سنة زحف فيها أولاً إلى موآب لما منعوه الجزية التي كانت عليهم للأسباط مائتين من الغنم في كل سنة‏.‏ واستنجد ملك يهوذا لحربهم فحاصرهم سبعة أيام وفقدوا الماء فاستسقى لهم اليسع وجرى الوادي وخرج أهل مؤاب يظنونه دماً فقتلهم بنو إسرائيل‏.‏ وجمع هداد ملك أدوم لحصار سامرة ونازلها ثلاث سنين ثم دعا عليهم اليسع فأجفلوا ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ وفي الثانية عشرة من يؤم ملك الأسباط ثار عليه ياهوشافاط بن يشا من سبط منشا بن يوسف وذلك عند منصرفه من محاربة ملوك الجزيرة وأدوم مع أحزيا بن يهورام ملك القدس وكان جريحاً فعاده أحزيا‏.‏ وكان هذا الفتى ياهو يترصد قتل يوآم فأمكنه الفرصة فيه تلك الساعة فقتله وقتل معه أحزيا ملك القدس وبني يهوذا وملك على الأسباط‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ خرج يؤام بن أحاب ملك الأسباط لحرب أدوم ومعه أحزيا ملك القدس فقتلا جميعا في تلك الحرب‏.‏ وقيل‏:‏ إن ياهو بن منشا رمى بسهم فأصاب يؤام بن أحاب فمات‏.‏ ولما ملك ياهو على الأسباط قتل بني أحاب كلهم كما أمره اليسع وهلك لخمس وثلاثين من ملكه‏.‏ وولى ابنه يوآص وقيل يهوذا ولثمان وعشرين من دولة يوآص بن أحزيا ملك يهوذا القدس وكان قبيح السيرة عباداً للأصنام وعمل مذبحاً بسامرة وهلك لسبع عشرة من ملكه وولي بعده ابنه يوآش لسبع وثلاثين من دولة يوآص بالقدس‏.‏ وزحف إلى القدس فملكها من يد أمصيا ملك يهوذا وهدم من سورها أربعمائة ذراع وسبى أهل المقدس وسبى أهل عزريا الكوهن وأخذ جميع ما في المسجد ورجع إلى سامرة‏.‏ ومرض إليسع فعاده يوآش فوعده بأنه يهلك أدوم ويظفر بهم ثلاث مرات فكان كذلك‏.‏ وهلك لثلاث عشرة سنة من ملكه وولي من بعده ابنه يربعام وكان سيىء السيرة وزحف إلى أمصيا ملك يهوذا‏.‏ وقيل‏:‏ إن الذي زحف إلى أمصيا إنما هو يؤاش أبوه فهزمه وأخذه أسيراً وسار به إلى القدس فاقتحمها عنوة وغنم جميع ما في خزانتها وسبى بني عزريا الكوهن ورجع إلى السامرة فأطلق أمصيا‏.‏ ثم لإحدى وأربعين سنة من ملكه ولسبع وعشرين من ملك عزياهو بن أمصيا ملك القدس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وبقي بنو إسرائيل بالسامرة فوضى إحدى عشرة سنة ثم ملكوا ابنه زكريا في الثامنة والثلاثين من ملك عزياهو فملك ستة أشهر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ شهراً ثم وثب به مناخيم بن كاد من سبط زبلون من أهل برصا فقتله وملك مكانه اثنتي عشرة سنة وقال ابن العميد عشر سنين‏.‏ قال‏:‏ وفي التاسعة والثلاثين من ملك عزياهو خرج إلى مدينة برصا ففتحها عنوة واستباحها وزحف إليه فول ملك الموصل فصانعه بألف قنطار من الفضة ورجع عنه وكانت سيرته رديئة ولما هلك مناخيم ملك ابنه بقحيا لأربعين من دولة عزيا ملك القدس فأقام فيهم اثنتي عشرة سنة وقال ابن العميد سنتين‏.‏ ثم ثار عليه من عماله باقح بن رسليا وكان على طريقة من تقدمه في الضلال فأقام ملكاً على الأسباط بالسامرة عشر سنين وهلك لدولته عزيا بن أمصيا ملك يهوذا بالقدس وأقام باقح بن رسليا على سوء السيرة وعبادة الأصنام إلى أن قتله هويشيع بن إيليا من سبط جاد في الثالثة من ملك يؤاب ملك القدس‏.‏ وبقي الأسباط بعده فوضى عشر سنين ثم ملكوا قاتله هويشيع بن إليا المذكور فأقام مملكاً عليهم سبع سنين‏.‏ وفي أيامه زحف إليه ملك أثور والموصل فصير الأسباط في دولته وأدوا إليه الخراج‏.‏ ثم إن هويشيع راسل ملك مصر في الإستعانة به والرجوع إلى طاعته فلما بلغ ذلك إلى ملك الموصل زحف إليه وحاصره في مدينة السامرة ثلاث سنين واقتحمها في الرابعة‏.‏ وتقبض على هويشيع لتسع سنين من ملكه ونقله مع الأسباط كلهم إلى الموصل‏.‏ ثم بعثهم إلى قرى أصبهان وأنزلهم بها‏.‏ وقطع ملك بني إسرائيل من السامرة وبقي ملك يهوذا وبنيامين بالقدس وكان ذلك لعهد أحزيا بن أحاز من ملوكهم لسنة من دولته‏.‏ وتعاقبت ملوكهم بعد ذلك بالقدس إلى أن انقرضوا وجمع ملك الموصل من كوره غاراً وحماة وصفرارام ويقال ومركتا وأسكنهم بالسامرة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وتفسيرها حفيظة ويوآطر‏.‏ قالوا وسلط الله عليهم السباع يفترسونهم فبعثوا إلى ملك الموصل أن يعرفهم بصاحب قسمة السامرية من الكواكب ليتوجهوا إليه بما يناسبه على طريقة الصابئة فقيل أن العشرية التي رسخت فيها وهي دين اليهودية تمنع من ذلك ومن ظهور أثره فبعث إليهم كوهنين من عامة اليهود يعلمانهم اليهودية فتلقوها عنهما‏.‏ فهذا أصل السامرة في فرق اليهود وليسوا منهم عند أهل ملتهم لا في نسهم ولا في دينهم والله مالك الأمور لا رب غيره ولا معبود سواه سبحانه وتعالى‏.‏

  الخبر عن عمارة بيت المقدس بعد الخراب الأول

وما كان لبني إسرائيل فيها من الملك في الدولتين لبني حشمناي وبني هيرودوس إلى حين الخراب الثاني والجلوة الكبرى هذه الأخبار التي كانت لليهود ببيت المقدس والملك الذي لهم في العمارة بعد جلاء بختنصر وأمر الدولتين اللتين كانتا لهم في تلك المدة لم يكتب فيها أحد من الأئمة ولا وقفت في كتب التواريخ مع كثرتها واتساعها على ما يلم بشيء من ذلك‏.‏ ووقع بيدي وأنا بمصر تأليف لبعض علماء بني إسرائيل من أهل ذلك العصر في أخبار البيت والدولتين اللتين كانتا بها ما بين خراب بختنصر الأول وخراب طيطس الثاني الذي كانت عنده الجلوة الكبرى استوفى فيه أخبار تلك المدة بزعمه‏.‏ ومؤلف الكتاب يسمى يوسف بن كريون وزعم أنه كان من عظماء اليهود وقوادهم عند زحف الروم إليهم وأنه على صولة فحاصره أسبيانوس أبو طيطش واقتحمها عليه عنوة وفر يوسف إلى بعض الشعاب وكمن فيها ثم حصل في قبضته بعد ذلك واستبقاه ومن عليه وبقي في جملته‏.‏ وكانت له تلك وسيلة إلى ابنه طيطش عندما أجلى بني إسرائيل على البيت فتركه بها للعبادة كما يأتي في أخباره‏.‏ هذا هو التعريف بالمؤلف‏.‏ وأما الكتاب فاستوعب فيه أخبار البيت واليهود بتلك المدة وأخبار الدولتين اللتين كانتا بها لبني حشمناي وبني هيردوس من اليهود وما حدث في ذلك من الأحداث فلخصتها هنا كما وجدتها فيه لأني لم أقف على شيء فيها لسواه‏.‏ والقوم أعلم بأخبارهم إذا لم يعارضها ما يقدم عليها‏.‏ وكما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تصدقوا أهل الكتاب‏.‏ فقد قال ولا تكذبوهم ‏"‏ مع أن ذلك إنما هو راجع إلى أخبار اليهود وقصص الأنبياء التي كان فيها التنزيل من عند الله‏.‏ لقوله بعد ذلك‏:‏ ‏"‏ وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ‏"‏‏.‏ وأما الخبر عن الواقعات المستندة إلى الحسن فخبر الواحد كافي فيه إذا غلب على الظن صحته فينبغي أن نلحق هذه الأخبار بما تقدم من أخبارهم لتكمل لنا أحوالهم من أول أمرهم إلى آخره‏.‏ والله أعلم‏.‏ ولم التزم صدقه من كذبه والله المستعان‏.‏ قال الطبري وغيره من الأئمة‏:‏ كان يرميا ويقال أرميا بن خلقيا من أنبياء بني إسرائيل ومن سبط لاوي وكان لعهد صدقيا هو آخر ملوك بني يهوذا ببيت المقدس‏.‏ ولما توغلوا في الكفر والعصيان أنذرهم بالهلاك على يد بختنصر وسأه عنه وأطلقه واحتمله معه في السبي وكان فيما يقوله أرميا أنهم يرجعون إلى بيت المقدس بعد سبعين سنة‏.‏ يملك فيها بختنصر وابنه وابن ابنه ويهلكون وإذا فرغت مملكة الكلدانيين بعد السبعين يفتقدكم يخاطب بذلك بني إسرائيل في نص آخر له عند كمال سبعين لخراب المقدس‏.‏ وكان شعيا بن أمصيا من أنبيائهم أخبرهم بأنهم يرجعون إلى بيت المقدس على يد كورش من ملوك الفرس ولم يكن وجد لذلك العهد‏.‏ فلما استولى كورش على بابل وأزال مملكة الكلدانيين أذن لبني إسرائيل في الرجوع إلى بيت المقدس وعمارة مسجدها‏.‏ ونادى في الناس أن الله أوصاني أن ابني بيتاً فمن كان لله وسعيه لله فليمض إلى بنائه‏.‏ فمضى بنو إسرائيل في اثنين وأربعين ألفاً وعليهم زير يافيل بالفاء الهوائية بن شالتهيل بن يوخنيا آخر ملوكهم بالقدس الذي حبسه بختنصر وقد مر ذكره‏.‏ وقد مضى مهم عزير النبي من عقب أشيوع بن فنحاص بن ألعازر بن هارون وبينه وبين أشيوع ستة آباء‏.‏ لم أثق بنقلها لغلبة الظن بأنها مصحفة‏.‏ ورد عليهم كورش الأواني وكانت لا يعبر عنها من الكثرة‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ كانت خمسة آلاف وأربعمائة قصعة ذهباً وفضة فمضوا إلى بيت المقدس وشرعوا في العمارة وشرع كورش وسعى عليهم في أبطال ذلك بعض أعدائهم من السامرة ولم يكن أمد السبعين التي وعدهم بها انقضى لأن الخراب كان لثمان عشرة من ملك بختنصر وكانت دولته خمسة وأربعين ومدة ابنه وابن ابنه خمس وعشرون فبقيت من السبعين ثمانية عشر التي نفذت من ملك بختنصر قبل الخراب فمنعوا من العمارة بسعاية السامرية إلى أن انقضت الثمان عشرة‏.‏ وجاءت دولة دارا من ملوك الفرس فأذن لهم في العمارة وعاد السامرة لسعايتهم في إبطال ذلك عند دارا فأخبره أهل في دولته أن كورش أذن لهم في ذلك فخفى سبيلهم وعمروا بيت المقدس في الثانية من ملك دارا الأول وهو أرفخشد والكوهن يومئذ عزير‏.‏ وجدد لهم التوراة بعد سنتين من رجوعهم إلى البيت‏.‏ ثم هلك في زيريافيل وخلفه فيهم بهشمياس‏.‏ وقبض العزيز وخلفه شمعون الصفا من بني هارون أيضاً‏.‏ وقال يوسف بن كريون أن بختنصر لما رجع إلى بابل أقام ملكاً سبعاً وعشرين سنة‏.‏ وملك بعده ابنه بلتنصر ثلاث سنين وانتقض عليه داريوش ملك ماذي وأظنهم الديلم وكيرش ملك فارس‏.‏ وهزمتهم عساكره كما مر فعمل في بعض أيامه صنيعاً لقواده سروراً بالواقع وسقاهم في أواني بيت المقدس التي احتملها جده من الهيكل‏.‏ فسخط الله لذلك ورأى تلك الساعة كان يداً خرجت من الحائط تومي بكتابة كلمات بالخط الكلداني والكلمات عبراينة‏.‏ وهي أحصى وزن نفذ‏.‏ فارتع لذلك هو والحاضرون وفزع إلى دانيال النبي في قال وهب بن منبه‏:‏ هو من أعقاب حزقيل الأصغر وكان خلفاً من دانيال الأكبر‏.‏ فقال له دانيال‏:‏ هذه الكلمات تنذر بزوال ملكك ومعناها أن الله أحصى مدة ملكك ووزن أعمالك ونفذ قضاؤه بزوال ملكك عنك وعن قومك‏.‏ وقتل تلك الليلة بلتنصر‏.‏ وكان ما قدسناه من استقلال كورش وقومه فارس بالملك ورد الجالية إلى بيت المقدس وأطلق لهم المال لعمارتها شكراً على الظفر بالكلدانيين‏.‏ ومضى بنو إسرائيل ومعهم غزرا الكاهن ونجمياً مردخاي وجميع رؤساء الجالية يبنون البيت والمذبح على حدودها وقربوا القرابين‏.‏ وكان كورش بعد ذلك يطلق لهم في كل سنة من الحنطة والزيت والبقر والغنم والخمر ما يحتاجون إليه في خدمة البيت ويطلق لهم جراية واسعة‏.‏ وجرى ملوك الفرس بعده على سنته في ذلك إلا قليلاً في أيام أخشويروش منهم كان وزيره هامان وكان من العمالقة‏.‏ وكان طالوت قد استخلفهم بأمر الله‏.‏ فكان هامان يعاديهم لذلك وعظمت سعايته فيهم وحمله على قتلهم‏.‏ وكان مردخاي من رؤسائهم قد زوج أخته من الرضاع لأخشويروش فدس إليها مردخاي أن تشفع إلى الملك في قومها فقبلها وعطف عليهم وأعادهم إلى أن انقرضت دولة الفرس‏.‏ بمهلك دارا واستولى بنو يونان بمهلك دارا على ملك فارس وملك الإسكندر بن فيفلوس ودوخ الأرض وفتح سواحل الشام وسار إلى بيت المقدس لأنها من طاعة دارا وخاف الكهنة من ورأى في بعض تمثال رجلاً فقال‏:‏ أنا رجل أرسلت لمعونتك ونهاه عن أذية المقدس وأوصاه بامتثال إشارتهم‏.‏ فلما وصل إلى البيت لقيه الكوهن فبالغ في تعظيمه ودخل معه إلى الهيكل وبارك عليه ورغب إليه الإسكندر أن يضع هنالك تمثاله من الذهب ليذكر به فقال هذا حرام لكن تصرف همتك في مصالح الكهنة والمصلين ويجعل لك من الذكر دعاؤهم له وأن يسمى كل مولود لبني إسرائيل في هذه السنة بالإسكندر‏.‏ فرضي الإسكندر وحمل لهم المال وأجزل عطية الكوهن وسأله أن يستخير الله في حرب دارا فقال له‏:‏ امض والله مظفرك‏.‏ وحض دانيال وقص عليه الإسكندر رؤيا رأها فأولها له بأنه يظفر بدارا‏.‏ ثم انصرف الإسكندر وسار في نواحي بيت المقدس ومر بنابلس ولقيه سنبلاط السامري وكان أهل المقدس أخرجوه عنهم فأضافه وأهدى له أموالاً وأمتعة واستأذنه في بناء هيكل في طول بريد فأذن له فبناه وأقام صهره منشا كوهناًً فيه وزعم أنه المراد بقوله في التوراة‏:‏ اجعل البركة على جبل كريدم فقصده اليهود في الأعياد وحملوا إليه القرابين وعظم أمره وغص بشأنه أهل بيت المقدس إلى أن خربه هرمايوس بن شمعون أول ملوك بني حشمناي كما يأتي ذكره‏.‏ ثم هلك الإسكندر ببابل بعد استيفاء مدته لاثنتين وثلاثين من ملكه وكان قد قسم ملكه بين عظماء دولته فكان سلياقوس بعد الإسكندر وكان عظيم أصحابه‏.‏ فأكرم اليهود وحمل المال إلى فقراء البيت ثم سعى عنده بأن في الهيكل أموالاً وذخائر نفيسة ورغبوه في ذلك فبعث عظيماً من قواده اسمه أردوس ليقبض ذلك المال فحضر بالبيت وأنكر الكاهن حنينان أن يكون بالبيت إلا بقية الصدقات من فارس ويونان وما أعطاهم سلياقوس آنفاً فلم يقبل ووكل بهم في الهيكل فتوجهوا بالدعاء وجاء أردوس ليقبض المال فصدع في طريقه وجاء أصحابه إلى الكوهن حنينا وجماعة الكهنة يسألون الإقالة والدعاء لأردوس فدعوا له وعوفي وارتحل وازداد الملك سلياقوس إعظاماً للبيت وحمل ما كان يحمل إليهم مضاعفاً‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم ترجمت التوراة لليونانيين وكان من خبرها أن تلماي ملك مصر من اليونانيين بعد الإسكندر وكان من أهل مقدونية وكان محباً للعلوم ومشغوفاً بالحكمة والكتب الإلهية‏.‏ وذكرت له كتب اليهود الأربعة والعشرون سفراً فتاقت نفسه للوقوف عليها‏.‏ وكتب إلى كهنون القدس في ذلك وأهدى له فأختار سبعين من أحبار اليهود وعلمائهم وفيهم كوهن عظيم اسمه ألعازر وبعثهم إليهم ومعهم الأسفار فتلقاهم بالكرامة وأوسع لهم النزول ورتب مع كل واحد كاتباً يملىء عليه ما يترجم له حتى ترجم الأسفار من العبرانية إلى اليونانية وصححها وأجاز الأحبار وأطلق لهم من كان بمصر من سبي اليهود نحواً من مائة ألف وصنع مائدة من الذهب نقشت عليها صورة أرض ثم هلك تلقاي صاحب مصر واستولى بعده أنطيوخوس صاحب مقدونية على أنطاكية ثم على مصر وأطاعه ملوك الطوائف بأرض العراق واستفحل ملكه وعظم طغيانه وأمر الأمم بعبادة الأصنام‏.‏ وعمل أصناماً على صورته فامتنع اليهود من قبولها وسعى بهم عند بعض شرارهم وكانوا أهل نجدة وشوكة فسار انطيوخوس إليهم واثخن فيهم بالقتل والسبي وفروا إلى الجبال والبراري فرجع واستخلف على بيت المقدس قائده فليلقوس وأمره أن يحملهم على بيت المقدس قائده فليلقوس وأمره أن يحملهم على السجود لأصنامه وعلى أكل الخنزير وترك السبت والختان‏.‏ ويقتل من يخالفه ففعل ذلك أشد ما يكون وبسط على اليهود أيدي أولئك الأشرار الساعين‏.‏ وقتل ألعازر والكوهن الذي ترجم لهم التوراة لما امتنع من السجود لصنمه وأكل قربانه‏.‏ وكان فيمن هرب إلى الجبال والبراري متيتيا بن يوحنا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي بن حونيا من بني نوذاب من نسل هارون عليه السلام وكان رجلاً صالحاً خيراً شجاعاً‏.‏ وأقام بالبرية وحزن لما نزل بقومه‏.‏ فلما أبعد أنطيخوس الرحلة عن القدس بعث متيتيا إلى اليهود يعرفهم بمكانه وينمعض لهم ويحرضهم على الثورة على اليونانيين فأجابوه وتراسلوا في ذلك‏.‏ وبلغ الخبر فليلقوس قائد أنطيخوس فسار في عسكره إلى البرية طالباً متيتيا أصحابه‏.‏ فلما وصل إليهم حاربهم فغلبوه وانهزم في عساكره وقوي اليهود على الخلاف وهلك متيتيا خلال ذلك وقام بأمره ابنه يهوذا فهزم عساكر فليلقوس ثانية وشغل أنطيخوس بحروب الفرس فزحف إليهم من مقدونية واستخلف عليهم ابنه أفظر وضم إليه عظيماً من قومه اسمه لشاوش وأمرهم أن يبعثوا العساكر إلى اليهود فبعثوا ثلاثاً من قوادهم وهم نيقانور وتلمياس وصردوس وعهد إليهم بإبادة اليهود حيث كانوا‏.‏ فسارت عساكر واستنفروا سائر الأرمن من نواحي دمشق وحلب وأعداء اليهود من فلسطين وغيرهم‏.‏ وزحف يهوذا بن متيتيا مقدم اليهود للقائهم بعد أن تضرعوا إلى الله وطافوا بالبيت وتمسحوا به ولقيهم عسكر نيقانور فهزموه واثخنوا فيه بالقتل وغنموا ما معهم‏.‏ ثم لقيهم عسكر القائد ابن تلمياس وهيرودوس ثانياً فهزموهما كذلك وقبضوا على فليلقوس القائد الأول لأنطيخوس فأحرقوه بالنار ورجع نيقانور إلى مقدونية فدخلها وخبر ليشاوش وأفطر ابن الملك بالهزيمة فجزعوا لها‏.‏ ثم جاءهم الخبر بهزيمة أنطيخوس أمام الفرس ثم وصل إلى مقدونية واشتد غيظه على اليهود وجمع لغزوهم فهلك دون ذلك بطاعون في جسده ودفن في طريقه‏.‏ وملك أفظر وسموه أنطيخوس باسم أبيه‏.‏ ورجع يهوذا بن متيتيا إلى القدس فهدم جميع ما بناه أنطيخوس من المذابح وأزال ما نصبه من الأصنام وطهر المسجد وبنى مذبحاً جديداً للقربان فوضع فيه الحطب ودعا الله أن يريهم آية في اشتعاله من غير نار فاشتغل كذلك ولم ينطف إلى الخراب الثاني أيام الجلوة واتخذوا ذلك اليوم عيداً سموه عيد العساكر‏.‏ ونازل ليشاوش فزحف إليه يهوذا بن متيتيا في عسكر اليهود وثبت عسكر ليشاوش فانهزموا ولجأ إلى بعض الحصون وطلب النزول على الأمان على أن لا يعود إلى حربهم‏.‏ فأجابه يهوذا على أن يدخل أفظر معه في العقد وكان ذلك‏.‏ وتم الصلح وعاهد أفظر اليهود على أن لا يسير إليهم وشغل يهوذا بالنظر في مصالح قومه‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وكان لذلك العهد ابتداء أمر الكيتم وهم الروم وكانوا برومية وكان أمرهم شورى بين ثلثمائة وعشرين رئيساً ورئيس واحد عليهم يسمونه الشيخ يدبر أمرهم ويدفعون للحروب من يثقون بغنائه وكفايته منهم أو من سواهم‏.‏ هكذا كان شأنهم لذلك العهد وكانوا قد غلبوا اليونانيين واستولوا على ملكهم وجازوا البحر إلى أفريقية فملكوها كما يأتي في أخبارهم‏.‏ فاجمعوا السير إلى أنطيخوس أفظر وابن عمه ليشاوش بقية ملوك يونان بإنطاكية وكاتبوا يهوذا ملك بني إسرائيل بالقدس يستميلونهم عن طاعة أنيطخوس واليونانيين فأجابوهم إلى ذلك‏.‏ وبلغ ذلك أنطيخوس فنبذ إلى اليهود عهدهم وسار إلى حربهم فهزموه ونالوا منه‏.‏ ثم راسلهم في الصلح وأن يقيموا على عهدهم معه ويحمل لبيت المقدس بما كان يحمله من المال وأن يقتل من عنده من شرار اليهود الساعين عليهم فتم العهد بينهم على ذلك‏.‏ وقتل شملاوش من الساعين على اليهود ثم جهز أهل رومة قائد حروبهم دمترياس بن سلياقوس إلى أنطاكية ولقيه أنطيخوس أفظر فانهزم أنطيخوس وقتل هو وابن عمه ليشاوش وملك الروم أنطاكية ونزلها قائدهم دمترياس‏.‏ وكان ألقيموس الكوهن من شرار اليهود عند أنطيخوس‏.‏ فلما ملك دمترياس قائد الروم فسعى عنده في إليهود ورغبه في ملك القدس والإستيلاء على أمواله فبعث قائده نيقانور لذلك وخرج يهوذا ملك القدس لتلقيه وطاعته وقدم بين يديه الهدايا والتحف فمال نيقانور إلى مسالمة اليهود وحسن رأيه وأكد بينه وبينهم العهد ورجع‏.‏ وبادر ألقيموس الكوهن إلى دمترياس وأخبره بميل قائده نيقانور إلى اليهود وزاد في إغرائه‏.‏ فبعث إلى قائده ينكر عليه ويستحثه لإنفاذ أمره أن يحمل يهوذا مقيداً‏.‏ وبلغ ذلك يهوذا فلحق بمدينة السامرة صبصطية واتبعه نيقانور في العساكر فكر عليه يهوذا وهزمه وقتل أكثر عساكر الروم الذين معه ثم ظفر به فصلبه على الهيكل ببيت المقدس‏.‏ واتخذ اليهود ذلك اليوم عيداً وهو ثالث عشر آذار‏.‏ ثم بعث قائد الروم دمترياس من قابل الآخر يعتروس في ثلاثين ألفاً من الروم لمحاربة اليهود وخرجت عساكرهم من المقدس وفروا عن ملكهم يهوذا وافترقوا في الشعاب وأقام معه منهم فل قليل واتبعهم يعتروس فلقيه يهوذا وأكمن له فانهزم اليهود‏.‏ وخرج عليهم كمين الروم فقتل يهوذا في كثير من ولايته ودفن إلى جانب أبيه متيتيا‏.‏ ولحق أخوه يوناثال فيمن بقي من اليهود بنواحي الأردن وتحصنوا ببئر سبع فحاصرهم يعتروس هنالك أياماً ثم بيتوه فهزموه‏.‏ وخرج يوناثال واليهود في اتباعه فقبضوا عليه ثم أطلقوه على مسالمة اليهود وأن لا يسير إلى حربهم‏.‏ فهلك يوناثال أثر ذلك وقام بأمر اليهود أخوهما الثالث شمعون فاجتمع إليه اليهود من كل ناحية وعظمت عساكره وغزا جميع أعدائهم ومن ظاهر عليهم من سائر الأمم وزحف إليه دمترياس قائد الروم بأنطاكية فهزمه شمعون وقتل غالب عسكره ولم تعاودهم الروم بعدها بالحرب إلى أن هلك شمعون‏.‏ وثب عليه صهره تلماي زوج أخته فقتله وتقبض على بنيه وامرأته وهرب ابنه الأكبر قانوس بن شمعون إلى غزة فامتنع بها‏.‏ وكان اسمه يوحان وكان شجاعاً قتل في بعض الحروب شجاعاً اسمه هرقانوس فسماه أبوه باسمه‏.‏ ثم اجتمع عليه اليهود وملكوه وسار إلى بيت المقدس وفر تلماي المتوثب على أبيه إلى حصن داخون فامتنع به وسار هرقانوس إلى محاربته وضيق عليه‏.‏ وأشرف تلماي في بعض الأيام من فوق السور بأم هرقانوس وأخته يتهددهما بقتلهما فكف عن الحرب وانصرف لحضور عبد المظال ببيت المقدس فقتل تلماي أخته وأمه وفر من الحصن‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ ثم زحف دمترياس ابن سلياقوس قائد الروم إلى القدس وحاصر اليهود فامتنعوا وثلم السور وراسلوه في تأخير الحرب إلى انقضاء عيدهم ففعل على أن يكون له نصيب في القربان ووقعت في نفسه صاغية لهم وأهدى تماثيل للبيت فحسن موقعها عندهم وراسلوه في الصلح على المسالمة والمظاهرة لبعض فأجاب وخرج إليه هرقانوس ملك اليهود وأعطاه ثلثمائة بدرة من الذهب استخرجها من بعض قبور داود‏.‏ ورحل عنهم الروم وشغل هرقانوس في رم ما ثلم من السور وحدثت خلال ذلك فتنة بين الفرس والروم فسار إليهما دمترياس في جموع الروم وبينما أبطأ هرقانوس ملك اليهود لحضور عيدهم إذ جاءه الخبر بأن الفرس هزموا دمترياس فنهز الفرصة وزحف إلى إعدائه من أهل الشام وفتح نابلس وحصون أدوم التي بجبل الشراة وقتل منهم خلقاً ووضع عليهم الجزية وأخذهم بالختان والتزام أحكام التوراة وخرب الهيكل الذي بناه سنبلاط السامري في طول بريد بإذن الإسكندر وقهر جميع الأمم المجاورين لهم‏.‏ ثم بعث وجوه اليهود وأعيانهم إلى الأشياخ والمدبرين برومة يسأل تجديد العهد وأن يردوا على اليهود ما أخذ أنطيخوس ويونان من بلادهم التي صارت في مملكة الروم فأجابوا وكتبوا له العهد بذلك وخاطبوه بملك اليهود‏.‏ وإنما كان يسمى من سلف قبله من آبائه بالكوهن فسمى نفسه من يومئذ بالملك وجميع بين منزلة الكهنونة ومنزلة الملك‏.‏ وكان أول ملوك بني حشمناي‏.‏ ثم سار إلى مدينة السامرة صبصطية ففتحها وخربها وقتل أهلها‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ وكان اليهود في دينهم ثلاث فرق‏:‏ فرقة الفقهاء وأهل القيافة ويسمونهم الفروشيم وهم الربانيون وفرقة الظاهرية المتعلقين بظواهر الألفاظ من كتابهم ويسمونهم الصدوقية وهم القراوون وفرقة العباد المنقطعين إلى العبادة والتسبيح والزهاد فيما سوى ذلك ويسمونهم الحيسيد‏.‏ وكان هرقانوس وآباوه من اليونانيين ففارق مذهبهم إلى القرائين لأنه جمع اليهود يوماً عندما تمهد أمره وأخذ بمذاهب الملك ولقي به في صنيع احتفل به وألان لهم جانبه وخضع في قوله وقال أريد منكم النصيحة‏.‏ فطمع بعض الربانيين فيه قال‏:‏ إن النصيحة أن تنزل عن الكهنونة وتقتصر على الملك وقد فاتك شرطها لأن أمك كانت سبية من أيام أنطيخوس فغضب لذلك وقال للربانيين‏:‏ قد حكمتكم في صاحبكم فأخذوا في تأديبه بالضرب فتنمر لهم من أجل ذلك وفارق مذهبهم إلى مذهب القرائين وقتل من الربانيين خلقاً كثيراً ونشأت الفتنة بين هاتين الطائفتين من اليهود واتصلت بينهم الحرب إلى هذا العهد‏.‏ وهلك هرقانوس لإحدى وثلاثين سنة من دولته وملك بعهده ابنه أرستبلوس وكان كبيرهم وكان له ولدان آخران وهما أنطيوخس ويحب الملك له ويبغض الإسكندر فأبعده إلى جبل الخليل فلما ملك أرستبلوس أخذ من إخوته بمذهب أبيهم وقبض على الإسكندر وأمه واستخلص أنطيوخس وقدمه على العساكر واكتفى به في الحروب ترفع عن تاج الكهنونة ولبس تاج الملك‏.‏ وخرج أنطقنوس إلى الأمم المجاورين الخارجين عن طاعتهم فردهم إلى الطاعة وكثرت السعاية فيه عند أخيه من البطانة وأغروه به فلما قدم أنطقنوس من مغيبه وافق عيد المظال وكان أخوه ملتزماً بيته لمرض طرقه فعدل أنطقنوس عن بيته إلى الهيكل للتبرك فأوهموا الملك أنه إنما فعل ذلك لاستمالة الكهنونية والعامة وأنه يروم قتل أخيه وعلامة ذلك أنه جاء بسلاحه‏.‏ فعهد أرستبلوس إلى حشمانه وغلمان قصره إن جاء متسلحاً أن يقتلوه وكان ذلك وتمت حيلة البطانة وسعايتهم عليه‏.‏ وعلم أرستبلوس أن قد خدع في أخيه فندم وأغتم ولطم صدره حتى قذف الدم من فيه وأقام عليلاً بعده حولاً كاملاً ثم هلك‏.‏ فأفرجوا عن أخيه الإسكندر من محبسه وبايعوا له بالملك واستقام له الأمر‏.‏ ثم انتقض عليه أهل عكا وأهل صيدا وأهل غزة بعثوا إلى قبرص‏.‏ وسار الإسكندر إلى عكا فحاصرها وكانت كلوبطرة ملكة من بقية اليونان قد انتقض عليها ابنها واسمه ألظيرو وجاز البحر إلى جزيرة قبرص فملكها فبعث أهل عكا أنهم يملكونه وجاز إليهم في ثلاثين ألف مقاتل حتى إذا أفرج الإسكندر عن حصارهم راجعوا أمرهم ومنعوا ألظيرو من الدخول إليهم فسار في بلاد الإسكندر ونزل على جبل الخليل فقتل منه خلقاً ونزل على الأردن‏.‏ وفي خلال ذلك زحف الإسكندر إلى صيدا ففتحها عنوة واستباحها وعاد إلى القدس وأطاعته البلاد وحسم داء المنتقضين عليه‏.‏ ثم تجددت الفتنة بين اليهود بالقدس وذلك أنهم اجتمعوا في عيد المظال بالمسجد وحضر الإسكندر معهم فتلاعبوا بين يديه مراماة بما عندهم من مشموم ومأكول وأصاب الإسكندر رمية من الربانيين فغضب لها وشاتمهم القراؤون بما كانوا من شيعته فشتموا الإسكندر وقتلوا الشاتم وأصحابه فلم يغن عنهم وعظم فيهم الفتك وانفض الجمع‏.‏ وعهد الإسكندر أن يستد المذبح والكهنة بحائط عن الناس ونفذ أمره بذلك‏.‏ واتصلت الفتنة بين اليهود ست سنين قتل من الربانيين نحو من خمسين ألفاً والإسكندر يعين القرائين عليهم‏.‏ وبعثوا إلى دمتريوس المسمى أنطيخوس وبذلوا له المال فسار معهم إلى نابلس ولقي الإسكندر فهزمه وقتل عامة أصحابه ورجع‏.‏ فخرج الإسكندر إلى الربانيين وأثخن فيهم وظفر منهم بجماعة تزيد على ثلثمائة فقتلهم صبراً وقهر سائر اليهود‏.‏ وسار إلى دمتريوس ففتح الكثير من بلاده وخرج فظفر به الإسكندر وقتله وعاد إلى بيت المقدس لثلاث سنين في محاربة فاستقام أمره وعظم سلطانه ثم طرقه المرض فقام عليلاً ثلاثاً آخرين وخرج بعدها لحصار بعض الحصون وانتقضوا عليه فمات هنالك وأوصى امرأته الإسكندرة بكتمان موته حتى يفتح الحصن وتسير بشلوه إلى القدس فتدفنه فيه وتصانع الربانيين على ولدها فتملكه لأن العامة إليهم أميل‏.‏ ففعلت ذلك واستدعت من كان نافراً من الربانيين وجمعتهم وقدمتهم للشورى واستبدت بالملك‏.‏ وكان لها ابنان من الإسكندر بن هرقانوس اسم الأكبر منهما هرقانوس والآخر أرستبلوس وكانا صغيرين عند موت أبيهما فلما كبرا عينت هرقانوس للكهنونة وقدمت أرستبلوس على العساكر والحروب وضمت إليه الربانيين وأخذت الرهن من جميع الأمم وسألها الربانيون في الأخذ بثأرهم من القرائين خلقاً كثيراً وجاء القراؤون إلى ابنها الكهنون ينكرون ذلك وأنه إذا فعل بهم ذلك وقد كانوا شيعاً لأبيه الإسكندر فقد تحدث النفرة من الناس وسألوه أن يلتمس لهم إذنها في الخروج عن القدس والبعد عن الربانيين فأذنت لهم رغبة في انقطاع الفتنة‏.‏ وخرج معهم وجوه العسكر ثم ماتت خلال ذلك لتسع سنين من دولتها‏.‏ ويقال إن ظهور عيسى صلوات الله عليه كان في أيامها‏.‏ وكان ابنها أرستبلوس قائد العسكر لما شعر بموتها خرج إلى القرائين يستدعيهم إلى نصرته فأجازوه وتقبضت هي على ابنيه وامرأته واجتمعت عليه العساكر من النواحي وضرب البوق وزحف لحرب أخيه هرقانوس والربانيين وحاصرهم أرستبلوس ببيت المقدس وعزم على هدم الحصن فخرج إليه أعيان اليهود والكهنونية ساعين في الصلح بينهما وأجاب على أن يكون ملكاً ويبقي هرقانوس على الكهنونية فتم ذلك واستقر عليه أمره‏.‏